مخاطر الولادة القيصرية على الأم والجنين أصبحت من الموضوعات الأكثر تداولًا بين الأمهات، خاصة مع ازدياد الإقبال على هذا النوع من الولادة دون معرفة كافية بجوانبها الصحية. ورغم أن الولادة القيصرية تُعد خيارًا طبيًا آمنًا في كثير من الحالات، فإنها لا تخلو من تحديات قد تؤثر على الأم والجنين قبل العملية وأثناءها وحتى بعد التعافي. وتشمل هذه المخاطر احتمالية النزيف الحاد، والعدوى، ومشاكل التخدير، إضافة إلى المضاعفات التي قد تؤثر على التنفس عند المولود أو على الرحم والمشيمة في الأحمال المستقبلية. وتساعد معرفة مضاعفات القيصرية المحتملة في اتخاذ قرار أكثر وعيًا، ومعرفة كيفية الاستعداد وتقليل المخاطر الطبية والنفسية والإجرائية. وفيما يلي أبرز مخاطر الولادة القيصرية على الأم والجنين التي يجب الانتباه إليها لفهم الصورة كاملة قبل اختيار هذا النوع من الولادة.

مخاطر التخدير أثناء الولادة القيصرية وتأثيره على صحة الأم
يمثل التخدير—سواء كان نصفيًا أو كليًا—جانبًا أساسيًا في الولادة القيصرية، لكنه قد يحمل بعض المخاطر التي يجب إدراكها مسبقًا. فالتخدير النصفي (مثل الإبرة الشوكية أو فوق الجافية) قد يسبب انخفاضًا مفاجئًا في ضغط الدم، مما يؤدي إلى الدوار والغثيان وصعوبة التركيز خلال العملية، إضافة إلى احتمال حدوث صداع ما بعد التخدير نتيجة تسرب السائل الشوكي. أما التخدير الكلي فيرتبط بمخاطر أكبر، أهمها صعوبة تأمين مجرى التنفس أو استنشاق محتويات المعدة أثناء العملية، إلى جانب تأثيره على يقظة الأم بعد الولادة. كما يمكن أن تسبّب بعض أنواع التخدير تحسسًا أو ردود فعل نادرة مثل الهبوط الحاد أو اضطرابات النبض. وتزداد احتمالية المضاعفات لدى النساء المصابات بالسمنة، أو ارتفاع ضغط الدم، أو أمراض القلب. لذلك يُعد تقييم الحالة الصحية قبل العملية خطوة حاسمة لضمان اختيار نوع التخدير الأكثر أمانًا واستقرارًا للأم والجنين.
احتمالية حدوث النزيف الحاد ومضاعفاته بعد العملية
النزيف من أكثر المخاطر شيوعًا بعد الولادة القيصرية، إذ تفقد الأم ضعف كمية الدم تقريبًا مقارنة بالولادة الطبيعية. يحدث النزيف نتيجة فتح طبقات متعددة من الجلد والعضلات والرحم، أو بسبب ضعف انقباض الرحم بعد إخراج الجنين، مما يؤدي إلى نزف قد يكون غزيرًا ومفاجئًا. في بعض الحالات قد يستدعي الوضع نقل دم لتعويض الفاقد، أو استخدام أدوية تساعد على انقباض الرحم. كما قد تتطور المضاعفات إلى ما يُعرف بـ”نزيف ما بعد الولادة” الذي يشكل خطرًا على الدورة الدموية إذا لم يُعالج سريعًا. وقد يكون النزيف مرتبطًا بعوامل إضافية مثل مشيمة ملتصقة، عمليات قيصرية سابقة، أو اضطرابات تخثر الدم. لذلك تلعب المتابعة الدقيقة خلال الساعات الأولى بعد العملية دورًا كبيرًا في كشف المشكلة مبكرًا والسيطرة عليها قبل أن تتفاقم.
خطر العدوى والالتهابات في الجرح أو داخل الرحم
تشكل العدوى أحد أهم المخاطر بعد الولادة القيصرية، نظرًا لكونها عملية جراحية تتضمن فتح البطن والرحم، مما يزيد احتمالية دخول البكتيريا إلى الجرح أو الأنسجة الداخلية. وقد تظهر العدوى على شكل احمرار، ألم شديد، إفرازات غير طبيعية، أو ارتفاع في درجة الحرارة. أما الالتهابات العميقة داخل الرحم فقد تسبب ألمًا بالبطن، رائحة غير طبيعية للإفرازات، أو تأخرًا في التعافي. وترتفع احتمالية العدوى لدى النساء المصابات بالسكري، أو السمنة، أو ضعف المناعة، أو اللواتي تعرضن للولادة القيصرية الطارئة. وتساعد المضادات الحيوية الوقائية والعناية الجيدة بالجرح على تقليل الخطر بشكل كبير. ومع ذلك، يظل الاكتشاف المبكر لأي علامة غير طبيعية ضروريًا لمنع انتشار الالتهاب أو تحوله إلى مشكلة أكثر تعقيدًا مثل التهاب بطانة الرحم أو التهاب الجرح العميق.
الجلطات الدموية بعد القيصرية: أسبابها وكيف تتطور
تُعد الجلطات الدموية من أخطر المضاعفات المحتملة بعد الولادة القيصرية، وذلك بسبب قلة الحركة بعد الجراحة وتباطؤ الدورة الدموية في الساقين. تتجمع الخثرات غالبًا في الأوردة العميقة، وقد تسبب ألمًا، تورمًا، أو إحساسًا بالحرارة في الساق. وتزداد خطورتها عندما تتحرك الجلطة إلى الرئتين فيما يسمى بالانصمام الرئوي، وهو حالة طارئة قد تؤدي إلى صعوبة في التنفس أو ألم حاد في الصدر. العوامل التي ترفع احتمال حدوث الجلطات تشمل السمنة، التاريخ العائلي للجلطات، قلة الحركة لفترات طويلة، التدخين، واضطرابات التخثر. لذلك يُعتبر النهوض المبكر بعد العملية، الحفاظ على ترطيب الجسم، واستخدام الجوارب الضاغطة من أهم الطرق الوقائية لتقليل هذا الخطر بشكل كبير.
مشاكل التئام الجرح والآلام المزمنة في مكان العملية
تعتمد سرعة التئام جرح الولادة القيصرية على عدة عوامل، أهمها نوعية العناية بالجرح وصحة الأم العامة. في بعض الحالات، قد يتأخر الجرح في الالتئام بسبب التهابات، أو تراكم السوائل، أو تحرك الغرز قبل أن تلتئم الأنسجة بشكل كامل. وقد تشعر الأم بألم حاد أو شدّ مستمر في منطقة العملية، وقد يستمر الألم لفترة طويلة لدى بعض النساء، خصوصًا إذا حدث ضرر في الأعصاب السطحية عند شق الجرح. كما قد تظهر ندبة بارزة أو متصلبة، وقد تسبب حساسية عند اللمس أو ألمًا مزمنًا عند الحركة. تزداد مشكلات الالتئام لدى النساء المصابات بالسكري، السمنة، أو فقر الدم. ولذلك فإن المتابعة الطبية والعناية اليومية بالجرح تساهم في تقليل احتمالية المضاعفات وتحسين مظهر الندبة وراحة الأم.
التصاقات البطن والحوض وتأثيرها على الجهاز التناسلي
تُعتبر الالتصاقات من المضاعفات التي قد لا تظهر مباشرة بعد الولادة القيصرية، لكنها قد تسبّب مشكلات كبيرة على المدى البعيد. تنشأ الالتصاقات نتيجة تكوّن أنسجة ليفية تربط الأعضاء ببعضها داخل البطن، مثل ربط الرحم بالأمعاء أو جدار البطن. يمكن أن تسبب هذه الأنسجة ألمًا مزمنًا، انتفاخًا متكررًا، أو صعوبة في الهضم. وفي بعض الحالات قد تؤثر على الجهاز التناسلي من خلال التسبب في آلام بالحوض أو التأثير على حركة قناتي فالوب، مما قد يقلل الخصوبة أو يسبب تأخر الحمل. وتزداد احتمالية الالتصاقات مع تكرار الولادات القيصرية أو العمليات البطنية الأخرى. ورغم صعوبة منعها بشكل كامل، إلا أن اختيار جراح ذو خبرة وتقليل عدد العمليات قدر الإمكان يساعد على الحد من تطورها.

تأثير القيصرية على الرحم والمشيمة في الحمل المستقبلي
قد تترك الولادة القيصرية آثارًا طويلة المدى على الرحم تؤثر في الحمل التالي. من أبرز هذه التأثيرات زيادة احتمالية حدوث المشيمة المنزاحة، وهي حالة تنغرس فيها المشيمة في الجزء السفلي من الرحم وقد تغطي عنق الرحم، مما يجعل الولادة الطبيعية غير ممكنة. كذلك ترتفع نسبة خطر التصاق المشيمة بجدار الرحم (المشيمة الملتصقة)، وهي من أخطر المضاعفات لأنها قد تسبب نزيفًا شديدًا عند الولادة. كما أن ندبة القيصرية السابقة قد تزيد احتمال انفجار الرحم في حالات نادرة أثناء الولادة الطبيعية التالية، خاصة إذا كانت الندبة ضعيفة أو متعددة. ولهذا ينصح الأطباء بترك فترة كافية بين الحملين لا تقل عن 18–24 شهرًا ليتمكن الرحم من التعافي الكامل، وضمان متابعة دقيقة في بداية الحمل لرصد موقع المشيمة وسلامة الندبة.
اقرا ايضاً : أهم التغيرات في نفسية الحامل خلال فترة الحمل
تأخر بدء الرضاعة الطبيعية وصعوبة الارتباط الهرموني
قد تواجه الأم بعد الولادة القيصرية صعوبة في بدء الرضاعة الطبيعية بسبب الألم، التخدير، أو تأخر ملامسة الجلد للجلد بعد الولادة. هذه العوامل قد تؤخر إفراز هرموني الأوكسيتوسين والبرولاكتين المسؤولين عن إنتاج الحليب وتعزيز الارتباط العاطفي بين الأم ورضيعها. كما قد تتأثر وضعية الرضاعة بسبب الجرح، مما يجعل الأم غير قادرة على حمل الطفل بشكل مريح في الساعات الأولى. وفي بعض الحالات يحتاج الطفل إلى مراقبة طبية بعد الولادة، مما يزيد من الفترة التي يقضيها بعيدًا عن أمه ويؤخر بدء الرضاعة الطبيعية. تساعد الممرضات والاستشاريات على تدريب الأم على أوضاع بديلة تقلل الضغط على الجرح، بينما يعزز التلامس المبكر بين الأم والطفل إفراز هرمونات الارتباط ويسرّع من نزول الحليب.
مشاكل التنفس لدى المولود وانخفاض قدرته على التكيف بعد الولادة
يعاني بعض الأطفال المولودين بعملية قيصرية — خاصة القيصرية المخططة دون بدء المخاض — من صعوبات في التنفس خلال الساعات الأولى. يعود ذلك إلى أن الطفل لا يمر بقناة الولادة الطبيعية، وبالتالي لا يتعرض لضغط المخاض الذي يساعد على تفريغ سوائل الرئة. هذا يسبب تراكم السوائل داخل الرئتين ويؤدي إلى تسرّع التنفس العابر، وهي حالة شائعة لكنها غالبًا مؤقتة. كما قد يكون الطفل أقل قدرة على تنظيم الحرارة أو مستوى السكر في الدم مقارنة بالمولود الطبيعي بسبب عدم جاهزية جسمه الكاملة لعملية الولادة المفاجئة. وتزداد احتمالية هذه المشكلات إذا تمت الولادة القيصرية قبل الأسبوع 39. المتابعة الدقيقة للرضيع بعد الولادة تساعد على تجاوز هذه المرحلة بسلام.
احتمالية إصابة الجنين أثناء الجراحة وأسباب حدوثها
رغم ندرتها، قد يتعرض الجنين لبعض الإصابات أثناء الولادة القيصرية نتيجة استخدام الأدوات الجراحية لفتح طبقات البطن أو إخراج الطفل. من أكثر هذه الإصابات شيوعًا الخدوش الجلدية البسيطة التي تحدث أثناء الشق أو عند سحب الطفل بسرعة في حالات الطوارئ. وفي حالات أقل تكرارًا، يمكن أن يتعرض الطفل إلى كدمات أو تورّم في الرأس بسبب الضغط عند إخراجه، خصوصًا إذا كانت وضعيته داخل الرحم غير مستقرة. تحدث هذه الإصابات غالبًا في العمليات المستعجلة التي تتطلب إخراج الجنين بسرعة للحفاظ على حياته أو حياة الأم. ومع ذلك، تكون معظم هذه الإصابات سطحية وتلتئم خلال أيام قليلة دون تأثيرات طويلة المدى، خاصة مع المتابعة الطبية والعناية الصحيحة بالرضيع.
زيادة مدة التعافي والإقامة بالمستشفى مقارنة بالولادة الطبيعية
تتطلب الولادة القيصرية وقتًا أطول للتعافي مقارنة بالولادة الطبيعية لأنها عملية جراحية كبرى تشمل فتح البطن والرحم. عادةً ما تبقى الأم في المستشفى من 3 إلى 5 أيام بعد العملية، بينما تغادر الأم التي ولدت طبيعيًا خلال 24 ساعة في معظم الحالات. ويستغرق التعافي الكامل للجرح الداخلي والخارجي ما بين 6 إلى 8 أسابيع، وقد يستمر الألم أو الشد في منطقة العملية لفترة أطول لدى بعض النساء. خلال هذا الوقت تحتاج الأم إلى تجنب حمل الأوزان الثقيلة، أو القيام بمجهود بدني كبير، مما قد يحد من قدرتها على رعاية المولود في الأيام الأولى. كما قد يؤثر بطء التعافي على الصحة النفسية بسبب الشعور بالعجز أو الحاجة المستمرة للمساعدة. يساعد الالتزام بتعليمات الطبيب، والعناية بالجرح، وتناول المسكنات المناسبة على تسريع عملية التعافي وتقليل المضاعفات.
